صفحات من تاريخ مصر

متحف سكك حديد مصر

احجز مساحتك الاعلانية

بقلم المهندس/ طارق بدراوى
مع بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادى عرفت مصر السكك الحديدية وكان ذلك في عهد عباس باشا الأول الذى حكم مصر مابين شهر نوفمبر عام 1848م وحتي شهر يوليو عام 1854م وكانت مصر هي ثاني دولة في العالم وأول دولة خارج قارة أوروبا تدخلها السكك الحديدية بعد إنجلترا حيث تم البدء في مد خط السكة الحديد مابين القاهرة والإسكندرية عام 1852م وكان المشرف علي هذا المشروع هو المهندس الإنجليزي روبرت ستيفنسون إبن المخترع الإنجليزي جورج ستيفنسون مخترع الآلة البخارية وعاونه عدد من المهندسين المصريين أصبح لهم شأن عظيم بعد ذلك على رأسهم سلامة باشا إبراهيم وثاقب باشا وبهجت باشا ومظهر باشا حيث تم تكوين فريق عمل من الجنود والبحارة المصريين من أجل تنفيذ هذا المشروع الهام وتم الإنتهاء من المسافة بين الإسكندرية وكفر الزيات في عهد عباس باشا الأول وبعد وفاته تم إستكمال الخط مابين كفر الزيات والقاهرة في عهد خلفه محمد سعيد باشا وتم افتتاح الخط بأكمله عام 1856م وتزامن افتتاح هذا الخط مع افتتاح محطتي القطارات الرئيسيتين في كل من القاهرة والإسكندرية والمعروفتين بإسم محطة مصر ومما هو جدير بالذكر أن الكبارى العابرة للنيل عند بنها وكفر الزيات لم تكن قد أنشئت بعد فكان يتم نقل عربات القطار عبر فرعي النيل عندهما علي مراكب أعدت خصيصا لهذا الغرض
وكان أحد الأهداف الرئيسية لمد خط سكة حديد مابين القاهرة والإسكندرية ثم مابين القاهرة والسويس هو خدمة التجارة مابين الشرق والغرب حيث سيتم إستغلال خطوط السكة الحديد في نقل السلع والبضائع مابين ميناء الإسكندرية علي البحر المتوسط وميناء السويس علي البحر الأحمر وبالعكس ولكن بعد شق قناة السويس لم يعد لخطوط السكك الحديدية في هذا الأمر دور رئيسى ولكن بقى دور السكك الحديدية الكبير والهام في تسهيل السفر والترحال والاتصال بين مختلف المديريات في مصر وخاصة قبل ظهور سيارات الركوب وسيارات الأوتوبيس وفي عهد الخديوى إسماعيل بدأ التوسع في مد خطوط السكك الحديدية في مدن الدلتا والفيوم والوجه القبلي وبعد أن كان مجموع طول خطوط السكك الحديدية في أول عهده حوالي 390 كيلو متر نجده قد تضاعف حوالي 5 مرات حيث بلغ طول خطوط السكك الحديدية في نهاية عهده حوالي 1920 كيلو متر
وفي عهد الخديوى عباس حلمي الثاني شهدت السكك الحديدية طفرة كبيرة فقد تم وصول السكة الحديد إلي الأقصر في جنوب مصر وتزامن ذلك مع تشييد العديد من كبارى السكك الحديدية المعدنية العابرة للنيل مثل كوبرى امبابة الذى تعبره قطارات الوجه القبلي بعد خروجها من محطة مصر ليسير خط سكة حديد الوجه القبلي غرب النيل حتي نجع حمادى حيث تعبر القطارات النيل مرة أخرى إلى شرق النيل ثم تكمل رحلتها إلى أسوان فوادى حلفا بالسودان وكذلك كان من الكبارى الهامة التي تم تشييدها كوبرى بنها وكوبرى كفر الزيات وكوبرى المنصورة وكوبرى دسوق والذى تم تجديده بعد ذلك في عهد الملك فؤاد وكان لتلك الكبارى أثرا كبيرا علي ربط بلاد القطر المصرى في الوجهين البحرى والقبلي وتسهيل الحركة بينها وزيادة النشاط التجارى وسهولة نقل السلع والبضائع بين المديريات المختلفة من خلال خطوط السكك الحديدية المختلفة وبعد ذلك تم مد خط سكة جديد آخر من الأقصر إلى أسوان وبعد ذلك وفي عهد الملك فؤاد في عام 1926م تم الربط بين الخطين ومدهما إلى الشلال الأول جنوبي أسوان ثم إلى ميناء وادى حلفا النيلي داخل حدود السودان
وقد تم تشييد متحف سكك حديد مصر في عهد الملك فؤاد الذى كان مهتما ببناء وتشييد المتاحف والمنشآت الثقافية بوجه عام وكان ذلك في يوم 26 أكتوبر عام 1932م وتم الافتتاح الرسمي للمتحف أمام الزوار يوم 15 يناير عام 1933م متزامنا مع مناسبة إنعقاد المؤتمر الدولي للسكك الحديدية في مصر في نفس الشهر ويقع المتحف داخل محطة مصر وهي محطة القطارات الرئيسية بالقاهرة بميدان رمسيس ويتكون من طابقين وكان من أهداف إنشائه أن يكون نواة لمتحف فني علمي متكامل في مصر وليتم من خلاله توثيق تاريخ السكك الحديدية فيها ويضم المتحف بين جدرانه حوالي عدد 700 نموذج من القاطرات وعربات القطارات القديمة والحديثة ومجموعة من الوثائق والخرائط والبيانات الإحصائية تبين كلها مراحل تطور النقل والسكك الحديدية في مصر والعالم
ويضم المتحف عدد 4 أقسام هامة أولها قسم السكك الحديدية ومعروض به مجموعة كبيرة من النماذج التي تشرح تطورات القاطرات التي استخدمت في العالم ومن بينها نموذج لأول فكرة قاطرة ظهرت في العالم إلى الوجود عام 1783م وأخرى لأول قاطرة سارت في مصر عام 1856م وثالثة بالحجم الطبيعي مشطورة إلى شطرين بحيث تظهر كل أجزائها بالإضافة إلي نماذج القاطرات التي ظهرت بعد ذلك والعربات والصالونات الخاصة قديمها وحديثها التى تبين تطور السكك الحديدية المصرية منذ بدايتها وكانت تعمل بالبخار وحتي وقتنا الحاضر الذى ظهرت فيه أحدث قاطرات الدبزل الكهربائية وثاني الأقسام هو قسم الإشارات القديمة والحديثة ومعروض به الكيفية التي كانت توجه بها القطارات قديما بواسطة العنصر البشرى وكيف تطور الأمر فأصبحت بعد ذلك الإشارات آلية تقوم بتوجيه القطارات في سيرها إلى مختلف الخطوط تجنبا للحوادث والأخطار ثم تطورت وأصبحت اليوم إشارات كهربائية وتدار بواسطة أجهزة تحكم كومبيوترية وثالث الأقسام هو قسم المحطات والكبارى ومعروض به نماذج وصور لمجموعة من المحطات القديمة والحديثة وكذلك لنماذج من كبارى السكة الحديد منها الثابت ومنها المتحرك وتواريخ بنائها وتطورها وأخيرا نجد القسم الرابع وهو عبارة عن مكتبة تحوى عددا كبيرة من المجلدات والكتب التاريخية والفنية والإحصائية عن النقل والسكك الحديدية في مصر والعالم إلي جانب مجموعة كبيرة من المراجع والوثائق المجسمة والمكتوبة عن تاريخ وتطور وخطوط السكك الحديدية في العالم …..
ومن المؤسف أن الكثيرين ممن يمرون بمحطة مصر لا يعلمون شيئا عن وجود مثل هذا المتحف داخل المحطة ولايتجاوز عدد زواره 500 إلى 600 زائر شهريا وبالطبع فهو معدل متدني جدا للغاية ومن أسبابه قلة الدعاية له وعن محتوياته مع أنه يحتل المرتبة الثانية علي مستوى العالم بعد المتحف البريطاني ولايفوتنا أن نذكر أنه في السنوات الأخيرة تم تجديده وتطويره مع عملية التطوير والتجديد التي تمت بمحطة مصر نفسها ونكلفت هذه العملية حوالي 10 مليون جنيه من أجل تحويله إلى مزار سياحي من ضمن المزارات السياحية بمدينة القاهرة

Related Articles

Back to top button